بعيداً فـي آسيا ،تقع(seaol)، بالعربية (سيول) وهي العاصمة الكورية الجنوبية و التي يتم فيها بناء عمارة من (14) طابقاً في ستة أسابيع ،وربما لم يسمع مواطنوها يوماً عبارة الصرف الصحي لأن الأمر عندهم أسهل من أن يفتح مسؤول فمه ليدلي بتصريح رائع يتصدر مانشيتات الصحف باللون الأحمر. سيول وعلى النقيض تماماً من إسمها (المجازي)، لا تعاني مطلقاً السيول وأبجديات الصرف الصحي وغير الصحي ،بل كثيراً ما يستيقظ سكان سيول عند الصباح الباكر متفاجئيين بصوت المذيعة وهي تقول ، أمطار غزيرة بمعدل كذا وعشرين “ملم” ضربت أرجاء المدينة ،فيفتحون نوافذهم ولا يجدون غير النسائم العليلة أثراً لشئ سال من هنا أو هناك.
وقريباً هنا في قلب أفريقيا النابض ،وفي العلاقة الضاربة في العمق بين الوحل والطين و(الرطوط) وبين ما يحققه الناس (كل الناس) هذه الأيام من تطورات ملحوظة ومقدرة ومشاركة فاعلة في عملية النط والنط الموضوعي والذي يختلف بكل تأكيد في بعض تفاصيله عن نظرية الوثبة المنشودة ،يروق لنا أن نطلق (حقيقةً) كلمة سيول.
وسيول هي الترجمة الحرفية لعمليتي المداهنة والتزييف الموسمية التي لا يجف بعدها حلق المسؤول من التصريح عن الإستعدادات الكاملة للخريف ،حتى تخرج القاذورات و(البلاوي) لتدخله في (أنفاق) مظلمة ومجاري ضيقة. وعلى طريقة “أحمد الشقيري” في المقارنات ،واحدة من أهم المشاكل التي تواجه (سيولنا) هو نحن ،نحن ولا أحد غيرنا عندما يعلم حقيقة السيول ،يترك السيل ويشرع في البحث عن المسؤول ،ولا أدري ما الفائدة من قطع رأس المسؤول بعد وقوع المصيبة ؟..والأسوأ من ذلك هو الجدال الفلسفي العقيم في محاولة فهم نوع المصيبة التي ألمّت بنا ،هل هي كارثة أم أزمة ؟ وهي أشبه تماماً بقصة “الرعاة الثلاثة” عندما مرت شاحنة مسرعة بجانب مياه راكدة ،حيث يقف الرعاء ،فأحالت (جلاليبهم) البيضاء إلى (كاكي أب تيرة) فأصبحوا يتجادلون بشدة عن نوع الشاحنة التي لطختهم ولم يتبينوها جيداً ،فقالوا (العربية دي k-y .. لأ z-y ،علي بالطلاق كي-واي ،يمين زد-واي).
ولولا الوقت الذي أهدر في التراشق وتبادل الإتهامات..لولا الوقت الذي أهدر في الرحلات (الإستكشافية) ..لولا الوقت الذي أهدر في البكاء لحفرنا المجاري وجفت الدموع وغسلنا جلاليبنا ، لكن(ينشفا الله) كما يقول أحد الظرفاء.
و أبداً لن نجد مسؤولاً عن هذه السيول وسيظل المواطنون يلقون اللائمة على المهندسين الذين قاموا ببناء القنوات والأنفاق والطرقات ويلقي المهندسون اللوم على من يفترض أنهم يكونوا مسؤولين ويلقي المسؤولون بدورهم اللوم على المواطنين والمهندسين وتدور حلقة التنصل إلى أن تأتي سيول العام القادم.
وعلى ذكر الجانب الهندسي وفيما يتعلق بالصرف الصحي ولأن الأمر لا يحتاج متعلم حتى ،وأنا نصف متعلم والحمدلله ،بل ملم ببعض العلوم الهندسية ، كنت أود الإجابة على سؤال (لماذا سيول الكورية خالية من السيول؟) والإجابة هو ليست هنالك إجابة أو سر يذكر بقدر ما هناك ترتيب فقط لأسس وأسبقيات البناء والتشييد..فقط من إسم (البنى التحتية) ،يتبين أنها تُبنى قبل أي شئ آخر ،فكل النماذج العملاقة للمدن الحديثة التي لا تعاني السيول والفيضانات في الحدود المألوفة ،يرجع السبب في صمودها إلى أن المسؤولين قاموا بحفر المجاري وقنوات الصرف الصحي وشيدوا الجسور والأنفاق وقاموا بتوصيل الكهرباء ثم بعد ذلك قاموا بتخطيط المؤسسات والمناطق السكنية ،(يعني بناء البيوت آخر حاجة) ؛لذلك سيول مافيها سيول. مما يعني إنو نظامنا كلو غلط لذلك يجتهد المهندس بقدر المعطيات والمساحات وبقدر (القروش) ومن ثم يخطئ أكيد.
لكنني بالتأكيد لا أستطيع الإجابة عن السؤال المحير ،”لماذا (يصر) المواطنون الفقراء على السكن في المجاري والحتات الواطية؟”،ولربما تكفل بالإجابة يوماً ما ،مسؤول من الخير بعد عدة مشاهدات وملاحظات في لحظة تجلي وصفاء ذهني.